من أسرار المُعوّذتين
الحمد لله وحده و الصلاة والسلام على نبيه و عبده.
الحمد لله وحده و الصلاة والسلام على نبيه و عبده.
أما بعد
قال تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
[ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) ] سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم
[قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ] سورة الناس
فروى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس )" ، بمثل هذا استقبل النبي صلى الله عليه و سلم هاتين السورتين العظيمتين ، و هو استقبال له دلالات و علامات يجدر الوقوف عندها ، و يحسن تأملها و الرشف من معينها ، و قد تأملت ما وجدته من كلام العلماء و المفسرين ، فأدهشني ما وجدته من فوائد و فرائد ، فعملت على ترتيبها و تنسيقها بشكل مختصر لتعم الفائدة ، و جعلتها بنقاط مرتبة ، و أفكار متسلسلة ، أسأل الله أن ينفع بها عباده و يجعلها لي ذخراً يوم ألقاه فهو نعم المولى و نعم النصير .
فرحان العطار
من أسرار المُعوّذتين
1- أن من مقاصد السورتين : - تعميق التوحيد في النفوس و تعزيزه ، و ذلك لحاجة النفوس لمن يحفظها و يدفع عنها أنواع الشرور و الأذى ، و تعلقها بمن يحميها و يدفع عنها الشر و يرفعه عنها .
2- و في السورتين : - شهادة على بلاغ النَّبيّ صلّى اللهُ عليهِ و سلَّم ، لرسالته بكلّ أمانة و صدق ، يشهد لهذا قول أبي بن كعب - رضي الله عنه - : سألت رسول الله صلّى اللهُ عليهِ و سلَّم ، عن المُعوّذتين فقال : ( قيل لي فقلت ) فنحن نقول كما ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاريّ .
3- قال ابن تيمية : - " ففي سورة الإخلاص الثناء على اللّه ، وفي المُعوّذتين ، دعاء العبد ربه ليعيذه ، والثناء مقرون بالدعاء ، كما قرن بينهما في أم القرآن المقسومة ، بين الرّب والعبد : نصفها ثناء للرّب ،ونصفها دعاء للعبد ، والمناسبة في ذلك ظاهرة ؛ فانَّ أول الإيمان بالرَّسول ، الإيمان بما جاء به من الرِّسالة ، وهو القران ، ثم الإيمان ، بمقصود ذلك وغايته ، وهو ما ينتهي الأمر إليه من النعيم والعذاب ، وهو الجزاء ، ثم معرفة طريق المقصود وسببه ، وهو الأعمال : خيرها ليفعل ، وشرها ليترك ، ثم ختم المصحف بحقيقة الإيمان ، وهو ذكر اللّه ودعاؤه ، كما بنيت عليه أم القران ، فان حقيقة الإنسان المعنوية ، هو المنطق ، والمنطق قسمان : خبر وإنشاء ، وأفضل الخبر وانفعه وأوجبه ، ما كان خبرًا عن اللّه ، كنصف الفاتحة وسورة الإخلاص ، وأفضل الإنشاء الذي هو الطلب وانفعه وأوجبه ، ما كان طلبًا من اللّه ، كالنصف الثاني من الفاتحة و المعوذتين . "( أ. هـ )
4- أنَّ الشر الذي يصيب العبد لا يخلو من قسمين : -
أ - إما ذنوب وقعت منه : يعاقب عليها ، فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه ، ويكون هذا الشر ، هو الذنوب وموجباتها ، وهو أعظم الشرين وأدومهما وأشدهما ، اتصالاً بصاحبه ، و هذا سببه الوسوسة من شياطين الإنس و الجن ، و هذا ما تضمنته سورة الناس .
ب - وإما شر واقع به من غيره ، وذلك الغير إما مكلف ، أو غير مكلف ، والمكلف إما نظيره وهو الإنسان ، أو ليس نظيره ، وهو الجنيّ وغير المكلف ، مثل الهوام وذوات الحمى وغيرها ، و هذا ما تضمنته سورة الفلق ، فتضمنت هاتان السورتان ، الاستعاذة من هذه الشرور كلّها ، بأوجز لفظ وأجمعه وأدله ، على المراد وأعمه استعاذة .
5- سورة الفلق : تضمنت الاستعاذة ، من الشر الذي هو ظلم الغير له ، بالسحر والحسد ، وهو شر من خارج ، وسورة الناس : تضمنت الاستعاذة من الشر ، الذي هو سبب ظلم العبد نفسه ، وهو شر من داخل ، فالشر الأول : لا يدخل تحت التكليف ، ولا يطلب منه الكف عنه ، لأنه ليس من كسبه ، والشر الثاني : في سورة الناس ، فيدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي ، فهذا شر المعائب ، والأول شر المصائب ، والشر كلّه يرجع إلى العيوب والمصائب ، ولا ثالث لهما ، فانتظمتهما السورتان بأحسن لفظ و أوجز عبارة.
6- الاستعاذة في سورة الفلق : من المضار البدنية ، و تكون من الإنسان وغيره ، جاءت الاستعاذة عامة ، والاستعاذة في سورة الناس : من الأضرار التي تعرض للنفوس البشرية ، وتخصها فجاءت الاستعاذة ، مخصصة من نوع واحد .
7- واعلم أنَّ هذه السورتين لطيفة : وهي أن المستعاذ به ، في السورة الأولى : مذكور بصفة واحدة ، وهي أنه رب الفلق ، والمُستعاذ منه : ثلاثة أنواع من الآفات ، وهي الغاسق والنفاثات والحاسد ، وأما في سورة الناس : فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاثة : وهي الرَّب والملك والإله ، والمُستعاذ منه آفة واحدة ، وهي الوسوسة.
8- يترتب على ما سبق : أنَّ الثناء ، يجب أن يتقدر ، بقدر المطلوب ، فالمطلوب في سورة الفلق : سلامة النفس والبدن ، والمطلوب في السورة الثانية : سلامة الدِّين ، وهذا تنبيه ، على أنَّ مضرة الدِّين وإن قلت : أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت.
9- فرق بين نفس الالتجاء : الاعتصام وبين طلب ذلك ، فلما كان المستعيذ هارباً ملتجئاً معتصماً بالله ، أتى بالفعل الدال على ذلك فقال ( أعوذ ) دون الفعل الدال على طلب ذلك ، و لا ضير أن يأتي بالسين ، فيقول : استعيذ بالله أي أطلب منه أن يعيذني ، ولكن هذا معنى غير نفس الاعتصام ، والالتجاء الهرب إليه ، فالأول مخبر ، عن حاله وعياذه بربه ، وخبره يتضمن سؤاله وطلبه أن يعيذه ، والثاني : طالب سائل ، من ربه أن يعيذه ، كأنه يقول : أطلب منك أن تعيذني فحال الأول أكمل.
10- اقترن الحاسد و الساحر في السورة : لأنَّ مقصدهما الشر للناس ، والشيطان ، يقارن الساحر والحاسد ، ويحادثهما ويصاحبهما ، ولكن الحاسد تعينه الشياطين ، بلا استدعاء منه للشيطان ، وأما الساحر فهو يطلب من الشيطان ، أن يعينه ويستعينه ، فلهذا والله أعلم ، قرن في السورة بين شر الحاسد وشر الساحر ، لأن الاستعاذة ، من شر هذين ، تعم كلّ شر يأتي من شياطين الإنس والجن ، فالحسد من شياطين الإنس والجن ، والسحر من النوعين ، وبقي قسم ينفرد به شياطين الجن ، وهو الوسوسة ، في القلب فذكره في سورة الناس .
11- قال بعضهم : لمّا أمر القارىء ، أن يفتح قراءته ، بالتعوُّذ من الشيطان الرجيم ، ختم القرآن : بالمُعوّذتين ، ليحصل الاستعاذة بالله ، عند أول القراءة ، وعند آخر ما يقرأ من القرآن ، فتكون الاستعاذة ، قد اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء ، فيكون القارىء ، محفوظاً بحفظ الله ، الذي استعاذ به مِن أول أمره إلى آخره.
12- في سورة الفلق : تم تخصيص ثلاثة أنواع من الشرور ، بعد ذكر عموم الشر لتكون كالتالي: -
أحدهما : وقت يغلب وقوع الشر فيه وهو الليل.
والثاني : صنف من الناس ، أقيمت صناعتهم ، على إرادة الشر بالغير. والثالث : صنف من الناس ، ذو خُلق من شأنه ، أن يبعث على إلحاق الأذى بمن تعلق به.
13- بعثُ الأملِ في النفوس ، و انتظارها لموعود اللهِ عزَّ وجلَّ بالفرج ، و ذلك من قوله تعالى ( الفلق ) و هو كلّ ما يفلقه الله تعالى ، كالنبات من الأرض و والجبال عن العيون ، والسحاب عن المطر ، والأرحام عن الأولاد ، والحب والنَّوى ، وغير ذلك ، فطلوع الصبح ، مثلاً كالمثال لمجيء الفرج ، فتعليق العياذ باسم الرَّب المضاف إلى الفلق ، المنبئ عن النور ، عقيب الظلمة ، والسعة بعد الضيق ، والفتق بعد الرتق ، عدة كريمة باعاذة العائذ مما يعوذ منه ، و انجائه منه ، وتقوية لرجائه ، بتذكير بعض نظائره ، ومزيد ترغيب له في الجد والاعتناء ، بقرع باب الالتجاء إليه عزَّ وجل
14- لما كانت الاستعاذة ، في سورة الفلق ، من شر كلّ شيء ، أضيف الرَّب إلى كلّ شيء ، أي بناء على عموم الفلق ، ولما كانت في سورة الناس ، من شر الوسواس ، لم يضف إلى كلّ شيء.
15- لما كان شر الأشياء الظلام ، فإنه أصل كلّ فساد ، وكانت شرارته مع ذلك وشرارة السحر والحسد خفية ، خصها بالذكر ، من بين ما عمه من الخلق ، لأن الخفي ، يأتي من حيث لا يحتسب الإنسان فيكون أضر.
16- العائن حاسد خاص ، وهو أضر من الحاسد ، ولهذا والله أعلم ، إنما جاء في السورة ، ذكر الحاسد دون العائن ، لأنه أعم ، فكل عائن حاسد ، ولا بد ، وليس كل حاسد عائناً ، فإذا استعاذ من شر الحسد ، دخل فيه العين ، وهذا من شمول القرآن وإعجازه وبلاغته.
17- وتأمل تقييده ، سُبحانه شر الحاسد ، بقوله : ( إذا حسد ) لأنَّ الرجل قد يكون عنده حسد ، ولكن يخفيه ، ولا يرتب عليه أذى بوجه ، ما لا بقلبه ، ولا بلسانه ولا بيده ، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك ، ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله ، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد ، إلا من عصمه الله ، ولا يأتمر لها ، بل يعصيها طاعة لله وخوفاً ، وحياء منه وإجلالاً له ، أن يكره نعمه على عباده ، فيرى ذلك مخافة لله ، وبغضاً لما يحب الله ، ومحبة لما يبغضه ، فهو يجاهد نفسه ، على دفع ذلك ، ويلزمها بالدعاء للمحسود ، وتمنى زيادة الخير له ، بخلاف ما إذا حقق ذلك وحسد ، ورتب على حسده مقتضاه ، من الأذى بالقلب واللسان والجوارح ، فهذا الحسد المذموم ، وهذا كلّه حسد تمني الزوال.
18- ونكَّر غاسق وحاسد وعرَّف النفاثات ، لأنَّ كلَّ نفاثة شريرة ، وكل غاسق ، لا يكون فيه الشر ، إنما يكون في بعض دون بعض ، وكذلك كل حاسد لا يضر ، ورب حسد محمود ، وهو الحسد ، في الخيرات ، ومنه : لا حسد إلا في اثنتين ، ومنه قول أبي تمام : وما حاسد في المكرمات بحاسد.
19- تعتبر سورة الفلق ، من أكبر أدوية المحسود ، فإنها تتضمن : التوكل على الله ، و الالتجاء إليه ، والاستعاذة به ، من شر حاسد النعمة ، فهو مستعيذ بولي النعم وموليها ، كأنه يقول : يا من أولاني نعمته ، وأسداها إلي ، أنا عائذ بك ، من شر من يريد ، أن يستلبها مني ويزيلها عني ، وهو حسب من توكل عليه ، وكافي من لجأ إليه.
20- تأمل حكمة القرآن ، وجلالته ، كيف أوقع الاستعاذة ، من شر الشيطان ، الموصوف بأنه الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، ولم يقل من شر وسوسته ، لتعم الاستعاذة شره جميعه ، فإن قوله : [من شر الوسواس ] ، يعم كلّ شره ، ووصفه بأعظم صفاته وأشدها شراً ، وأقواها تأثيراً ، وأعمها فساداً ، وهي الوسوسة : التي هي بداية الإرادة ، فإن القلب يكون فارغاً ، من الشر والمعصية ، فيوسوس إليه ، ويخطر الذنب بباله ، فيصوره لنفسه ويُمَّنيه ويُشَّههيه ، فيصير شهوة ، ويزينها له ويحسنها ، ويُخيلها له في خيال ، تميل نفسه إليه ، فيصير إرادة ، ثم لا يزال يمثل ويخيل ويمني ويشهّي وينسي علمه بضررها ، ويطوي عنه سوء عاقبتها ، فيحول بينه وبين مطالعته ، فلا يرى إلا صورة المعصية ، والتذاذه بها فقط ، وينسى ما وراء ذلك ، فتصير الإرادة عزيمة جازمة ، فيشتد الحرص عليها ، من القلب ، فيبعث الجنود في الطلب ، فيبعث الشيطان معهم مدداً لهم وعوناً ، فإن فتروا ، حركهم ، وإن ونوا أزعجهم ، كما قال تعالى : [{ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } مريم 83] ، أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً ، كلما فتروا أو ونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم .
21- فأصل كلّ معصية وبلاء ، إنما هو الوسوسة ، فلهذا وصفه بها ، لتكون الاستعاذة ، من شرها أهم من كلّ مستعاذ منه ، وإلا فشره بغير الوسوسة حاصل أيضاً ، فمن شره : أنه لص سارق لأموال الناس ، فكلّ طعام أو شراب ، لم يذكر اسم الله عليه ، فله فيه حظ ، بالسرقة والخطف ، ومن شره أنه إذا نام العبد ، عقد على رأسه عقداً ، تمنعه من اليقظة ، كما في صحيح البخاري ، ومن شره ، أنه يبول في أذن العبد ، حتى ينام إلى الصباح ، كما ثبت عن النَّبيِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
22- في قوله تعالى : ( الخناس ) ، وجيء من هذا الفعل ، بوزن فعال ، الذي للمبالغة دون الخانس والمنخنس ، إيذاناً بشدة هروبه ورجوعه وعظم نفوره عند ذكر الله ، وأن ذلك دأبه وديدنه ، لا أنه يعرض له ذلك عند ذكر الله أحياناً ، بل إذا ذكر الله هرب وانخنس وتأخر ، فإن ذكر الله ، هو مقمعته ، التي يُقمع بها ، كما يقمع المفسد والشرير ، بالمقامع التي تردعه ، من سياط وحديد وعصي ونحوها ، فذكر الله ، يقمع الشيطان ويؤلمه ويؤذيه ، كالسياط والمقامع التي تؤذي من يضرب بها .
23- قال ابن القيم " فمن لم يُعذّب شيطانه ، في هذه الدار ، بذكر الله تعالى ، وتوحيده واستغفاره وطاعته ، عذَّبه شيطانه ، في الآخرة بعذاب النار ، فلا بد لكلّ أحد ، أن يُعذّب شيطانه أو يُعذّبه شيطانه " .
24- وتأمل السر في قوله تعالى : [ يوسوس في صدور الناس ] ، ولم يقل في قلوبهم ، والصدر : هو ساحة القلب وبيته ، فمنه تدخل الواردات إليه ، فتجتمع في الصدر ، ثم تلج في القلب ، فهو بمنزلة الدهليز له ، و هذا من رحمة الله عزَّ وجلَّ .
25- وإنما ذكر أنه ربّ الناس، وإن كان رباً لجميع الخلق لأمرين : -
أحدهما : لأنَّ الناس مُعظّمون ؛ فأعلم بذكرهم أنه ربّ لهم وإن عُظّموا.
الثاني : لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم ، فأعلم بذكرهم ، أنه هو الذي يعيذ منهم ، وإنما قال : "ملك الناس إله الناس" لأنَّ في الناس ، ملوكاً : يُذَّكر أنه ملكهم ، وفي الناس ، من يعبد غيره ، فذكر أنه إلههم ومعبودهم ، وأنه الذي يجب ، أن يستعاذ به ، ويلجأ إليه ، دون الملوك والعظماء ، فهو ربهم الحق ، و الملك الحق ، و الإله الواحد ، المُستحق للعبادة وحده ، و ما دونه ، فهو مربوبٌ ، لا يملك لنفسه ضراً و لا نفعا و لا موتاً و لا حياة و لا نشورا.
26- جاءت الاستعاذة ، بربِّ الناس ، مضافاً إليهم ، خاصةً لأنَّ الاستعاذة ، وقعت من شر الموسوس ، في صدور الناس ، فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس ، إلى الناس ، بربهم الذي تملَّك عليهم أمورهم ، وهو إلاههم ومعبودهم.
27- والآية : من باب الترقِّي ، وذلك أنَّ الربّ ، قد يُطلق على كثير من الناس ، فتقول : فلان ربّ الدار ، وشبه ذلك ، فبدأ به لاشتراك معناه , وأمَّا المَلك فلا يُوصف به ، إلاَّ آحاد من الناس ، وهم الملوك ، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس ، فلذلك جيء به بعد الربّ ، وأمَّا الإله : فهو أعلى من المَلك ، ولذلك لا يَدَّعي الملوكُ أنهم آلهة ، وإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير.
28- في تكرير لفظ الناس : أنه إنما تكررت هذه الصفات ، لأنَّ عطف البيان ، يحتاج إلى مزيد الإظهار ، ولأنَّ هذا التكرير ، يقتضي مزيد شرف الناس ، لأنه سُبحانه ، كأنه عرَّف ذاته ، بكونه ربَّاً للناس ، ملكا للناس ، إلها للناس.
29- في السورة الثانية : بيان لشرف الناس ، و ذلك لأمور منها : -
أولاً : أنه ختم كتابه ، بسورة الناس ، و هذا له دلالته و أسراره .
ثانياً : أنَّ آخر كلمه ، عند ختم المصحف هي كلمة ( الناس ) ، و في هذا مزيد شرف و عناية .
ثالثاً : تكرر كلمة ( الناس ) خمس مرات ، في هذه السورة ، و هذا أيضاً له دلالاته ، فدل ذلك : بأن الناس أشرف مخلوقاته ، وإلا لما ختم كتابه بتعريف ذاته ، بكونه ربَّاً وملكاً وإلهاً لهم.
30- في السورتين : ابطال رد ، على مِنْ اتهامات المشركين ، للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، بأنه ساحر ، أو بأنَّ ، له رئي من الجنِّ ، و نحو ذلك من الاتهامات .
31- في سورة الناس : تذكير بخطورة شياطين الأنس ، و قلَّ من ينتبه لهذا الأمر ، و لو قام أحدنا بزيارة للسجون ، أو دور الملاحظة ، لعلم خطر هذه الوسوسة ، من شياطين الأنس ، حتى كان التذكير بها في آخر المصحف .
تعليقات: (0) إضافة تعليق